اعلم أن قولنا : ثم، وهناك، وهنالك، يستعمل في المكان، ولفظة : عند، وحين يستعملان في الزمان، قال تعالى :﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صاغرين﴾ [ الأعراف : ١١٩ ] وهو إشارة إلى المكان الذي كانوا فيه، وقال تعالى :﴿إِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً﴾ [ الفرقان : ١٣ ] أي في ذلك المكان الضيق، ثم قد يستعمل لفظة ﴿هُنَالِكَ﴾ في الزمان أيضاً، قال تعالى :﴿هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق﴾ [ الكهف : ٤٤ ] فهذا إشارة إلى الحال والزمان.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ إن حملناه على المكان فهو جائز، أي في ذلك المكان الذي كان قاعداً فيه عند مريم عليها السلام، وشاهد تلك الكرامات دعا ربه، وإن حملناه على الزمان فهو أيضاً جائز، يعني في ذلك الوقت دعا ربه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٢٩﴾
وقال ابن عادل :
" هنا " هو الاسم، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، وهو منصوب على الظرف المكاني بـ " دَعَا " وزان " ذلك "، وهو منصوب على الظرف المكاني، بـ " دعا " أي : في ذلك المكان الذي راى فيه ما رأى من أمر مريمَ، وهو ظرف لا يتصرف بل يلزم النصبَ على الظرفية بـ " مِنْ " وَ " إلَى ".
قال الشاعر :[ الرجز ]
قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أمكِنَهْ... مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هُنَهْ