والرابع : أنه لما رأى تكلم مريم في غير أوانه تنبه لجواز أن تلد امرأته في غير أوانه، والخامس : أنه لما سمع من مريم ﴿ إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] تنبه لجواز أن تلد من غير استعداد ؛ ولا يخفى ما في بعض هذه الوجوه من الخدش، وعلى العلات ليس ما رأى فقط علة موجبة للإقبال على الدعاء بل كان جزءاً من العلة التامة التي من جملتها كبر سنه عليه السلام وضعف قواه وخوف مواليه حسبما فصل في سورة مريم
﴿ قَالَ ﴾ شرح للدعاء وبيان لكيفيته ﴿ رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ﴾ الجاران متعلقان بما قبلهما وجاز لاختلاف المعنى، و﴿ مِنْ ﴾ لابتداء الغاية مجازاً أي أعطني من عندك ﴿ ذُرّيَّةً طَيّبَةً ﴾ أي مباركة كما قال السدي، وقيل : صالحة تقية نقية العمل، ويجوز أن يتعلق الجار الأخير بمحذوف وقع حالاً من ذرية، وجاء الطلب بلفظ الهبة لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابلة شيء وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد لكبر سنه ولا للوالدة لكونها عاقرة لا تلد فكأنه قال : أعطني ذرية من غير وسط معتاد، والذرية في المشهور النسل تقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى.
والمراد ههنا ولد واحد ؛ قال الفراء : وأنث الطيبة لتأنيث لفظ الذرية والتأنيث والتذكير تارة يجيئان على اللفظ وأخرى على المعنى وهذا في أسماء الأجناس كما في قوله :
أبوك خليفة ولدته أخرى... وأنت خليفة ذاك الكمال


الصفحة التالية
Icon