واعلم أن تمام الكلام في هذا الباب أن النفس القدسية النبوية مخالفة بماهيتها لسائر النفوس، ومن لوازم تلك النفس الكمال في الذكاء، والفطنة، والحرية، والاستعلاء، والترفع عن الجسمانيات والشهوات، فإذا كانت الروح في غاية الصفاء والشرف، وكان البدن في غاية النقاء والطهارة كانت هذه القوى المحركة المدركة في غاية الكمال لأنها جارية مجرى أنوار فائضة من جوهر الروح واصلة إلى البدن، ومتى كان الفاعل والقابل في غاية الكمال كانت الآثار في غاية القوة والشرف والصفاء.
إذا عرفت هذا فقوله ﴿إِنَّ الله اصطفى آدَمَ وَنُوحًا﴾ معناه : إن الله تعالى اصطفى آدم إما من سكان العالم السفلي على قول من يقول : الملك أفضل من البشر، أو من سكان العالم العلوي على قول من يقول : البشر أشرف المخلوقات، ثم وضع كمال القوة الروحانية في شعبة معينة من أولاد آدم عليه السلام، هم شيث وأولاده، إلى إدريس، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم حصل من إبراهيم شعبتان : إسماعيل وإسحاق، فجعل إسماعيل مبدأ لظهور الروح القدسية لمحمد ﷺ، وجعل إسحاق مبدأ لشعبتين : يعقوب وعيصو، فوضع النبوّة في نسل يعقوب، ووضع الملك في نسل عيصو، واستمر ذلك إلى زمان محمد ﷺ، فلما ظهر محمد ﷺ نقل نور النبوّة ونور الملك إلى محمد ﷺ، وبقيا أعني الدين والملك لأتباعه إلى قيام القيامة، ومن تأمل في هذا الباب وصل إلى أسرار عجيبة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٩ ـ ٢٠﴾
فائدة
قال القرطبى :
وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضِّهم وقَضِيضهم من نسلهم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٦٣﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon