لطيفة
قال الآلوسى :
والعدول عن إسناد التبشير بنون العظمة حسبما وقع في سورة مريم للجري على سنن الكبرياء كما في قول الخلفاء : أمير المؤمنين يرسم لك كذا وللإيذان بأن ما حكى هناك من النداء والتبشير وما يترتب عليه من المحاورة كان كل ذلك بواسطة الملك بطريق الحكاية منه سبحانه لا بالذات كما هو المتبادر وبهذا يتضح اتحاد المعنى في السورتين الكريمتين فتأمل انتهى، وكان الداعي إلى اعتبار ما هنا محكياً بعبارة من الله تعالى ظهور عدم صحة كون ما في سورة مريم من عبارة الملك غير محكي من الله تعالى، وأن الظاهر اتحاد الدعاءين وإلا فما هنا مما لا يجب حمله على ما ذكر لولا ذلك، والملوح غير موجب كما لا يخفى ولا بد في الموضعين من تقدير مضاف كالولادة إذ التبشير لا يتعلق بالأعيان، ويؤل في المعنى إلى ما هناك أي إن الله يبشرك بولادة غلام اسمه يحيى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٤٦﴾
قوله تعالى ﴿مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله﴾
قال الفخر :
في المراد ﴿بِكَلِمَةٍ مّنَ الله﴾ قولان
الأول : وهو قول أبي عبيدة : أنها كتاب من الله، واستشهد بقولهم : أنشد فلان كلمة، والمراد به القصيدة الطويلة.
والقول الثاني : وهو اختيار الجمهور : أن المراد من قوله ﴿بِكَلِمَةٍ مّنَ الله﴾ هو عيسى عليه السلام، قال السدي : لقيت أم عيسى أم يحيى عليهما السلام، وهذه حامل بيحيى وتلك بعيسى، فقالت : يا مريم أشعرت أني حبلى ؟ فقالت مريم : وأنا أيضاً حبلى، قالت امرأة زكريا فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله ﴿مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله﴾ وقال ابن عباس : إن يحيى كان أكبر سناً من عيسى بستة أشهر، وكان يحيى أول من آمن وصدق بأنه كلمة الله وروحه، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى عليهما السلام، فإن قيل : لم سمي عيسى كلمة في هذه الآية، وفي قوله ﴿إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ﴾ [ النساء : ١٧١ ] قلنا : فيه وجوه