وقال الآلوسى :
﴿ قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ﴾ أي أن لا تقدر على تكليمهم من غير آفة وهو الأنسب بكونه آية والأوفق لما في سورة مريم، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جبير بن معتمر قال : ربا لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام، والآية فيه عدم منعه من الذكر والتسبيح، وعلى كلا التقديرين عدم التكليم اضطراري، وقال أبو مسلم : إنه اختياري، والمعنى آيتك أن تصير مأموراً بعدم التكلم إلا بالذكر والتسبيح ولا يخفى بعده هنا، وعليه وعلى القولين قبله يحتمل أن يراد من عدم التكليم ظاهره فقط وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون كناية عن الصيام لأنهم كانوا إذ ذاك إذا صاموا لم يكلموا أحداً وإلى ذلك ذهب عطاء وهو خلاف الظاهر، ومع هذا يتوقف قبوله على توقيف، وإنما خص تكليم الناس للإشارة إلى أنه غير ممنوع من التكلم بذكر الله تعالى ﴿ ثلاثة أَيَّامٍ ﴾ أي متوالية، وقال بعضهم المراد ثلاثة أيام ولياليها، وقيل : الكلام على حذف مضاف أي ليالي ثلاثة أيام لقوله سبحانه في سورة [ مريم : ١٠ ] ﴿ ثلاث لَيَالٍ ﴾ والحق أن الآية كانت عدم التكليم ستة أفراد إلا أنه اقتصر تارة على ذكر ﴿ ثلاث أَيَّامٍ ﴾ منها وأخرى على ﴿ ثلاث لَيَالٍ ﴾ وجعل ما لم يذكر في كل تبعاً لما ذكر، قيل : وإنما قدم التعبير بالأيام لأن يوم كل ليلة قبلها في حساب الناس يومئذ، وكونه بعدها إنما هو عند العرب خاصة كما تقدمت الإشارة إليه، واعترض بأن آية الليالي متقدمة نزولاً لأن السورة التي هي فيها مكية والسورة التي فيها آية الأيام مدنية، وعليه يكون أول ظهور هذه الآية ليلاً ويكون اليوم تبعاً لليلة التي قبلها على ما يقتضيه حساب العرب فتدبر.


الصفحة التالية
Icon