وقال الطبرى فى معنى الآية :
يعني بذلك جل ثناؤه، قالت مريم إذ قالت لها الملائكة أنّ الله يبشرك بكلمة منه :"ربِّ أنَّى يكون لي ولد"، من أيِّ وجه يكون لي ولد ؟ أمِن قبل زوج أتزوجه وبعل أنكحه، أمْ تبتدئ فيَّ خلقه من غير بعل ولا فحل، ومن غير أن يمسَّني بشر ؟ فقال الله لها "كذلك الله يخلق ما يشاء"، يعني : هكذا يخلق الله منك ولدًا لك من غير أن يمسَّك بشر، فيجعله آيةً للناس وعبرة، فإنه يخلق ما يشاء ويصنعُ ما يريد، فيعطي الولد من يشاء من غير فحل ومن فحلٍ، ويحرِمُ ذلك من يشاءُ من النساء وإن كانت ذات بعلٍ، لأنه لا يتعذر عليه خلق شيء أراد خلقه، إنما هو أن يأمر إذا أراد شيئًا ما أراد [خلقه] فيقول له :"كن فيكون" ما شاء، مما يشاء، وكيف شاء. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٦ صـ ٤٢٠ ـ ٤٢١﴾
فائدة
قال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ قالت رب أنّى يكون لي ولد ﴾ في علة قولها هذا قولان.
أحدهما : أنها قالت هذا تعجباً واستفهاماً، لا شكاً وإنكاراً، على ما أشرنا إليه في قصة زكريا، وعلى هذا الجمهور، والثاني : أن الذي خاطبها كان جبريل، وكانت تظنه آدميا يريد بهاً سوءاً، ولهذا قالت :﴿ أعوذ بالرحمن منك إِن كنت تقياً ﴾ [ مريم : ١٨ ].
فلما بشرها لم تتيقن صحة قوله، لأنها لم تعلم أنه ملك، فلذلك قالت :﴿ أنى يكون لي ولد ﴾ قاله ابن الأنباري.
قوله تعالى :﴿ ولم يمسسني بشر ﴾ أي : ولم يقربني زوج.
والمس : الجماع، قاله ابن فارس.
وسمي البشر بشراً، لظهورهم، والبشرة : ظاهر جلد الإنسان، وأبشرت الأرض : أخرجت نباتها، وبشرت الأديم : إذا قشرت وجهه، وتباشير الصبح : أوائله.
قال : يعني جبريل :﴿ كذلكِ الله يخلق ما يشاء ﴾ أي : بسبب، وبغير سبب. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ١ صـ ٣٩٠﴾