أحدها : قوله تعالى :﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] أي المقدرين، وذلك لأنه ثبت أن العبد لا يكون خالقاً بمعنى التكوين والإبداع فوجب تفسير كونه خالقاً بالتقدير والتسوية
وثانيها : أن لفظ الخلق يطلق على الكذب قال تعالى في سورة الشعراء ﴿إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الاولين﴾ [ الشعراء : ١٣٧ ] وفي العنكبوت ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ [ العنكبوت : ١٧ ] وفي سورة ص ﴿إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق﴾ [ ص : ٧ ] والكاذب إنما سمي خالقاً لأنه يقدر الكذب في خاطره ويصوره
وثالثها : هذه الآية التي نحن في تفسيرها وهي قوله ﴿أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطين﴾ أي أصور وأقدر وقال تعالى في المائدة ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير﴾ [ المائدة : ١١٠ ] وكل ذلك يدل على أن الخلق هو التصوير والتقدير
ورابعها : قوله تعالى :﴿هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض جَمِيعاً﴾ [ البقرة : ٢٩ ] وقوله ﴿خلق﴾ إشارة إلى الماضي، فلو حملنا قوله ﴿خلق﴾ على الإيجاد والإبداع، لكان المعنى : أن كل ما في الأرض فهو تعالى قد أوجده في الزمان الماضي، وذلك باطل بالاتفاق، فإذن وجب حمل الخلق على التقدير حتى يصح الكلام وهو أنه تعالى قدر في الماضي كل ما وجد الآن في الأرض، وأما الشعر فقوله :
ولأنت تفري ما خلقت وبع.. ض القوم يخلق ثم لا يفري
وقوله :
ولا يعطي بأيدي الخالق ولا.. أيدي الخوالق إلا جيد الأدم
وأما الاستشهاد : فهو أنه يقال : خلق النعل إذا قدرها وسواها بالقياس والخلاق المقدار من الخير، وفلان خليق بكذا، أي له هذا المقدار من الاستحقاق، والصخرة الخلقاء الملساء، لأن الملاسة استواء، وفي الخشونة اختلاف، فثبت أن الخلق عبارة عن التقدير والتسوية.


الصفحة التالية
Icon