إذا عرفت هذا فنقول : اختلف الناس في لفظ ﴿الخالق﴾ قال أبو عبد الله البصري : إنه لا يجوز إطلاقه على الله في الحقيقة، لأن التقدير والتسوية عبارة عن الظن والحسبان وذلك على الله محال، وقال أصحابنا : الخالق، ليس إلا الله، واحتجوا عليه بقوله تعالى :﴿الله خالق كُلّ شَىْء﴾ [ الرعد : ١٦ ] ومنهم من احتج بقوله ﴿هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ﴾ [ فاطر : ٣ ] وهذا ضعيف، لأنه تعالى قال :﴿هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماء﴾ [ فاطر : ٣ ] فالمعنى هل من خالق غير الله موصوف بوصف كونه رازقاً من السماء ولا يلزم من صدق قولنا الخالق الذي يكون هذا شأنه، ليس إلا الله، صدق قولنا أنه لا خالق إلا الله.
وأجابوا عن كلام أبي عبد الله بأن التقدير والتسوية عبارة عن العلم والظن لكن الظن وإن كان محالاً في حق الله تعالى فالعلم ثابت.
إذا عرفت هذا فنقول :﴿أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطين﴾ معناه : أصور وأقدر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٤٩ ـ ٥٠﴾
فائدة
قال الشيخ الشنقيطى :
قوله تعالى :﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ الآية، هذه الآية يوهم ظاهرها أن بعض المخلوقين ربما خلق بعضهم، ونظيرها قوله تعالى :﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ الآية، وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الله خالق كل شيء كقوله تعالى :﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، وقوله :﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ إلى غير ذلك من الآيات. والجواب ظاهر وهو معنى خلق عيسى كهيئة الطير من الطين : هو أخذه شيئا من الطين وجعله على هيئة أي صورة الطير، وليس المراد الخلق الحقيقي ؛ لأن الله متفرد به - جل وعلا -. وقوله :﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ معناه : تكذبون، فلا منافاة بين الآيات كما هو ظاهر. أ هـ ﴿دفع إيهام الاضطراب صـ ٥٠﴾
قوله تعالى ﴿كَهَيْئَةِ الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله﴾
" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله :﴿ كَهَيْئَةِ ﴾ في موضع هذه الكاف ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنها نَعْت لمفعولٍ محذوفٍ، تقديره : أني أخلق لكم هيئة مثلَ هيئة الطير. والهيئة إما أن تكونَ في الأصل مصدراً، ثم أطلِقَت على المفعول - أي : المُهَيَّأ - كالخلق بمعنى : المخلوق، وإما أن تكون اسماً لحال الشيء وليست مصدراً، والمصدر : التَّهْيِيء - والتَّهَيُّؤ - والتَّهْيِئَة.
ويقال : هاء الشيء يَهِيءُ هَيْئاً وهَيْئَةً - إذا ترتب واستقر على حال مخصوص - ويتعدى بالتضعيف، قال تعالى :﴿ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً ﴾ [ الكهف : ١٦ ]، والطين معروف، يقال : طَانَهُ الله على كذا وطَلَمَهُ - بإبدال النون ميماً - أي : جبله عليه، والنفخ مَعْرُوفٌ.


الصفحة التالية
Icon