الثاني : أن الكاف مفعول به ؛ لأنها اسم كسائر الأسماء - وهذا رأي الأخْفَشِ، حيث يجعل الكاف اسماً حيث وقعت وغيره من النحاة لا يقول بذلك إلا إذا اضطر إليه - كوقوعها مجرورة بحرف جر، أو إضافة، أو وقوعها فاعلةً أو مبتدأ. وقد تقدم ذلك.
الثالث : أنها نعت لمصدر محذوف، قاله الواحديُّ نقلاً عن أبي عليٍّ بعد كلامٍ طويلٍ :" ويكون الكاف موضع نصب على أنه صفة للمصدر المراد، تقديره : أنِّي أخلق لكم من الطّينِ خلقاً مثل هيئة الطَّيْرِ ".
وفيما قاله نظرٌ من حيث المعنى ؛ لأن التحدِّي إنما يقع في أثر الخلق - وهو ما ينشأ عنه من المخلوقات - لا في نفس الخلق، اللهم إلا أن نقول : المراد بهذا المصدر المفعول به فيئول إلى ما تقدم.
قال الزمخشري : أي أقدِّر لكم شيئاً مثل هيئة الطّيرِ. وهذا تصريح منه بأنها صفة لمفعول محذوف وقوله :" أقدر " تفسير للخلق ؛ لأن الخلق هنا - التقدير - كما تقدم - وليس المراد الاختراع، فإنه مختص بالباري - تعالى-.
وقرأ الزهريُّ :" كَهَيْئَةِ " - بنقل حركة الهمزة إلى الياء.
وقرأ أبو جعفر :" كَهَيْئَةِ الطَّائِرِ ".
قوله :﴿ فَأَنْفُخُ فِيهِ ﴾ في هذا الضمير ستة أوجُهٍ :
أحدها : أنه عائد على الكاف ؛ لأنها اسم - عند مَنْ يرى ذلك - أي : فأنفخ في مثل هيئة الطير.
الثاني : أنه عائد على " هَيْئَةِ "، لأنها في معنى الشيء المُهَيَّأ، فلذلك عاد الضميرُ عليها مذكَّراً وإن كانت مؤنثةً - اعتباراً بمعناها دون لفظها، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَإِذَا حَضَرَ القسمة ﴾ [ النساء : ٨ ] ثم قال ﴿ فارزقوهم مِّنْهُ ﴾ [ النساء : ٨ ] فأعاد الضمير في ﴿ مِنْهَا ﴾ على ﴿ القِسْمَةَ ﴾ لما كانت بمعنى المقسوم.
الثالث : أنه عائد على ذلك المفعول المحذوف، أي : فأنفخ في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير.
الرابع : أنه عائد على ما وقعت عليه الدلالة في اللفظ. وهو أني أخلق. ويكون الخلق بمنزلة المخلوق.


الصفحة التالية
Icon