ثم قال :﴿واركعى مَعَ الركعين﴾ وهو إشارة إلى الأمر بالصلاة، فكأنه تعالى يأمرها بالمواظبة على السجود في أكثر الأوقات، وأما الصلاة فإنها تأتي بها في أوقاتها المعينة لها
والثالث : قال ابن الأنباري : قوله تعالى :﴿اقنتى﴾ أمر بالعبادة على العموم، ثم قال بعد ذلك ﴿واسجدى واركعى﴾ يعني استعملي السجود في وقته اللائق به، واستعملي الركوع في وقته اللائق به، وليس المراد أن يجمع بينهما، ثم يقدم السجود على الركوع والله أعلم
الرابع : أن الصلاة تسمى سجوداً كما قيل في قوله ﴿وأدبار السجود﴾ [ ق : ٤٠ ] وفي الحديث " إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين " وأيضاً المسجد سمي باسم مشتق من السجود والمراد منه موضع الصلاة، وأيضاً أشرف أجزاء الصلاة السجود وتسمية الشيء باسم أشرف أجزائه نوع مشهور في المجاز.
إذا ثبت هذا فنقول قوله ﴿يامريم اقنتى﴾ معناه : يا مريم قومي، وقوله ﴿واسجدى﴾ أي صلي فكان المراد من هذا السجود الصلاة، ثم قال :﴿واركعى مَعَ الراكعين﴾ إما أن يكون أمراً لها بالصلاة بالجماعة فيكون قوله ﴿واسجدى﴾ أمراً بالصلاة حال الانفراد، وقوله ﴿واركعى مَعَ الراكعين﴾ أمراً بالصلاة في الجماعة، أو يكون المراد من الركوع التواضع ويكون قوله ﴿واسجدى﴾ أمراً ظاهراً بالصلاة، وقوله ﴿واركعى مَعَ الراكعين﴾ أمراً بالخضوع والخشوع بالقلب.
الوجه الخامس في الجواب : لعلّه كان السجود في ذلك الدين متقدماً على الركوع.
السؤال الثاني : أما المراد من قوله ﴿واركعى مَعَ الركعين ﴾.
والجواب : قيل معناه : افعلي كفعلهم، وقيل المراد به الصلاة في الجماعة كانت مأمورة بأن تصلي في بيت المقدس مع المجاورين فيه، وإن كانت لا تختلط بهم.
السؤال الثالث : لم لم يقل واركعي مع الراكعات ؟
والجواب لأن الاقتداء بالرجال حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٣٩﴾
فائدة
قال الفخر :
اعلم أن المفسرين قالوا : لما ذكرت الملائكة هذه الكلمات مع مريم عليها السلام شفاها، قامت مريم في الصلاة حتى ورمت قدماها وسال الدم والقيح من قدميها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٤٠﴾