أما قوله ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ فالمعنى وما كنت هناك إذ يتقارعون على التكفل بها وإذ يختصمون بسببها فيحتمل أن يكون المراد بهذا الاختصام ما كان قبل الإقراع، ويحتمل أن يكون اختصاماً آخر حصل بعد الإقراع، وبالجملة فالمقصود من الآية شدة رغبتهم في التكفل بشأنها، والقيام بإصلاح مهماتها، وما ذاك إلا لدعاء أمها حيث قالت ﴿فَتَقَبَّلْ مِنّي إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم﴾ [ آل عمران : ٣٥ ] وقالت ﴿إِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم﴾ [ آل عمران : ٣٦ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٤١﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ في شأنها تنافساً على كفالتها وكان هذا الاختصام بعد الاقتراع في رأي، وقبله في آخر، وتكرير ﴿ مَا كُنتُ لَدَيْهِمْ ﴾ مع تحقق المقصود بعطف ﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ على ﴿ إِذْ يُلْقُون ﴾ للإيذان بأن كل واحد من عدم الحضور عند الإلقاء، وعدم الحضور عند الاختصام مستقل بالشهادة على نبوته ﷺ لا سيما على الرأي الثاني في وقت الاختصام لأن تغيير الترتيب في الذكر مؤكد لذلك قاله شيخ الإسلام. واختلف في وقت هذا الاقتراع والتشاح على قولين : أحدهما : وهو المشهور المعول عليه أنه كان حين ولادتها وحمل أمها لها إلى الكنيسة على ما أشرنا إليه من قبل، وثانيهما : أنه كان وقت كبرها وعجز زكريا عليه السلام عن تربيتها، وهو قول مرجوح، وأوهن منه قول من زعم أن الاقتراع وقع مرتين مرة في الصغر وأخرى في الكبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٥٩﴾
وقال الطبرى :
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾
يعني بذلك جل ثناؤه : وما كنتَ، يا محمد، عند قوم مريم، إذ يختصمون فيها أيُّهم أحقّ بها وأولى.