سؤال : فإن قلت : كيف جعل هذا القول آية من ربه ؟
قلت لأنّ الله تعالى جعله له علامة يعرف بها أنه رسول كسائر الرسل، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والاستدلال. ويجوز أن يكون تكريراً لقوله :﴿ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ ﴾ أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم، من خلق الطير، والإبراء، والإحياء، والإنباء بالخفايا، وبغيره من ولادتي بغير أب، ومن كلامي في المهد، ومن سائر ذلك. أ هـ ﴿الكشاف حـ ١ صـ ٣٦٥﴾
من فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ ومصدّقاً ﴾ حال من ضمير المقدّر معه، وليس عطفاً على قوله :﴿ ورسولا ﴾ [ آل عمران : ٤٩ ] لأنّ رسولاً من كلام الملائكة، ﴿ ومصدقاً ﴾ من كلام عيسى بدليل قوله :﴿ لما بين يدي ﴾.
والمصدّق : المخبر بصِدق غيره، وأدخلت اللام على المفعول للتقوية، للدلالة على تصديقٍ مُثبت محقّق، أي مصدّقاً تصديقاً لا يشوبُه شك ولا نِسبةٌ إلى خطأ.
وجَعْل التصديق متعدياً إلى التوراة تَوْطئة لقوله :﴿ ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ﴾.
ومعنى ما بين يديّ ما تقدم قبلي، لأنّ المتقدّم السابق يمشي بين يدي الجائي فهو هنا تمثيل لحالة السبق، وإن كان بينه وبين نزول التوراة أزمنة طويلة، لأنّها لما اتّصل العمل بها إلى مَجيئه، فكأنها لم تسبقه بزمن طويل.
ويستعمل بين يديْ كذا فِي معنى المشاهَد الحاضر، كما تقدم في قوله تعالى :﴿ يعلم ما بين أيديهم في سورة البقرة.
وعَطْف قوله ولأحِلّ ﴾ على ﴿ رسولاً ﴾ وما بعده من الأحوال : لأنّ الحال تشبه العلة ؛ إذ هي قيد لعاملها، فإذا كان التقييد على معنى التعليل شابَه المفعولَ لأجله، وشابَه الجرور بلام التعليل، فصح أن يُعطف عليها مجرورٌ بلام التعليل.
ويجوز أن يكون عطفاً على قوله :﴿ بآية من ربكم ﴾ فيتعلّق بفعللِ جئتكم.
وعقب به قوله :﴿ مصدّقاً لما بين يديّ ﴾ تنبيهاً على أنّ النسخ لا ينافي التصديق ؛ لأنّ النسخ إعلام بتغيُّر الحكم.