فقد تبين من هذا كله أن عيسى عليه الصلاة والسلام مصدق للتوراة في الدعاء إلى توحيد الله سبحانه وتعالى وأن الآية الكبرى على صدق النبي الحق اختصاصه الله تعالى بالدعوة وتسويته بين نفسه وجميع من يدعوه في الإقبال عليه والتعبد له والتخشع لديه، وأن الآية على كذب الكاذب دعاؤه إلى غير الله ؛ وفي ذلك وأمثاله مما سيأتي عن الإنجيل في سورة النساء تحذير من الدجال وأمثاله، فثبت أن المراد بالآية في هذه الآية ما قدمته من الإخبار بأن الله سبحانه وتعالى رب الكل والأمر بعبادته، وهذا كما يأتي من أمر الله سبحانه وتعالى لنبينا ﷺ في قوله تعالى :﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم﴾ [ آل عمران : ٦٤ ] إلى قوله :﴿ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله﴾ [ آل عمران : ٦٤ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٩٤ ـ ٩٦﴾
قال الفخر فى معنى الآية :
ختم كلامه بقوله ﴿إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ﴾ ومقصوده إظهار الخضوع والاعتراف بالعبودية لكيلا يتقولوا عليه الباطل فيقولون : إنه إله وابن إله لأن إقراره لله بالعبودية يمنع ما تدعيه جهال النصارى عليه، ثم قال :﴿فاعبدوه﴾ والمعنى : أنه تعالى لما كان رب الخلائق بأسرهم وجب على الكل أن يعبدوه، ثم أكد ذلك بقوله ﴿هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٥٣﴾
وقال السمرقندى :
﴿ إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ ﴾ أي خالقي وخالقكم، ورازقي ورازقكم، فاعبدوه، أي وحدوه ولا تشركوا به شيئاً ﴿ هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ ﴾ يعني هذا التوحيد الذي أدعوكم إليه طريق مستقيم، لا عوج فيه، وهو طريق الجنة. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ٢٤١﴾
وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ إن الله ربي وربكم فاعبدوه ﴾ إنّ مكسورة الهمزة لا محالة، وهي واقعة موقع التعليل للأمر بالتقوى والطاعة كشأنها إذا وقعت لِمجرّد الاهتمام كقول بشار
...
بَكِّرا صَاحِبَيّ قَبْلَ الهَجير


الصفحة التالية
Icon