وقال الآلوسى :
﴿ إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٍ ﴾ بيان للآية المأتي بها على معنى : هي قولي : إن الله ربي وربكم. ولما كان هذا القول مما أجمع الرسل على حقيته ودعوا الناس إليه كان آية دالة على رسالته، وليس المراد بالآية على هذا المعجزة ليرد أن مثل هذا القول قد يصدر عن بعض العوام بل المراد أنه بعد ثبوت النبوة بالمعجزة كان هذا القول لكونه طريقة الأنبياء عليهم السلام علامة لنبوته تطمئن به النفوس، وجوز أن يراد من الآية المعجزة على طرز ما مر، ويقال : إن حصول المعرفة والتوحيد والاهتداء للطريق المستقيم في الاعتقادات والعبادات عمن نشأ بين قوم غيروا دينهم وحرفوا كتب الله تعالى المنزلة وقتلوا أنبياءهم ولم يكن ممن تعلم من بقايا أخبارهم من أعظم المعجزات وخوارق العادات. أو يقال من الجائز أن يكون قد ذكر الله تعالى في التوراة إذا جاءكم شخص من نعته كذا وكذا يدعوكم إلى كيت وكيت فاتبعوه فإنه نبي مبعوث إليكم فإذا قال : أنا الذي ذكرت بكذا وكذا من النعوت كان من أعظم الخوارق، وقرىء أن الله بفتح همزة أن على أن المنسبك بدل من ( آية ) أو أن المعنى : جئتكم بآية دالة على أن الله الخ، ومثل هذا محتمل على قراءة الكسر أيضاً لكن بتقدير القول، وعلى كلا التقديرين يكون قوله تعالى :﴿ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ ﴾ [ آل عمران : ٥٠ ] اعتراضاً، وقد ذكر غير واحد أن الظاهر أن هذه الجملة معطوفة عل جملة ﴿ جِئْتُكُم ﴾ [ آل عمران : ٤٩ ] الأولى وكررت ليتعلق بها معنى زائد وهو قوله سبحانه :﴿ إِنَّ الله رَبّى ﴾ أو للاستيعاب كقوله تعالى :﴿ ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾ [ الملك : ٤ ] أي : جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من خلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص والإحياء والإنباء بالمخفيات، ومن ولادتي بغير أب، ومن كلامي في المهد ونحو ذلك والكلام الأول : لتمهيد الحجة عليهم، والثاني : لتقريبها إلى الحكم


الصفحة التالية
Icon