ويجوز أن يكون " ذَلِكَ " منصوباً بفعل مقدَّر يفسِّره ما بعده - فالمسألة من باب الاشتغال - و" مِنَ الآيَاتِ " حال، أو خبر مبتدأ مُضمَرٍ [ أي : هو من الآيات، ولكنّ الأحسن الرفعُ بالابتداء ؛ لأنه لا يحوج إلى إضمار، وعندهم " زيد ضربته " أحسن من " زيداً ضربته "، ويجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ مضمر ]، يعني الأمر ذلك، و" نَتْلُوهُ " على هذا حال من اسم الإشارة، و﴿ مِنَ الآيَاتِ ﴾ حال من مفعول " نَتْلُوهُ ".
ويجوز أن يكون " ذَلِكَ " موصولاً بمعنى " الذي " و" نَتْلُوهُ " صلة وعائد، وهو مبتدأ خبره الجار بعده أي : الذي نتلوه عليك كائن من الآيات، أي : المعجزات الدالة على نبوتك. جوَّز ذلك الزَّجَّاجُ وتبعه الزمخشريُّ، وهذا مذهب الكوفيين.
أما البصريون فلا يُجيزُون أن يكون اسماً من أسماء الإشارة موصولاً إلا " ذَا " خاصةً، بشروطٍ تقدم ذكرها ؛ ويجوز أن يكون " ذلك " مبتدأ، و" مِنَ الآيَاتِ " خبره، و" نَتْلُوهُ " جملة في موضع نصب على الحال، والعامل معنى اسم الإشارة.
قوله :" نَتْلُوهُ " فيه وجهان :
أحدهما : أنه وإن كان مضارعاً لفظاً فهو ماضٍ معنًى، أي : الذي قدمناه من قصة عيسى وما جرى له تلوناه عليك، كقوله :﴿ واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ].
والثاني : أنه على بابه ؛ لأن الكلام لم يتم، ولم يفرغ من قصة عيسى - عليه السلام - إذْ بقي منها بقية.
و" من " فيها وجهانِ :
أظهرهما : أنها تبعيضية ؛ لأن المَتلُوَّ عليه - من قصة عيسى - بعض معجزاته وبعض القرآن وهذا أوْجَهُ وأوضحُ. والمرادُ بالآيات - على هذا - العلامات الدالة على نبوتك.
والثاني : أنها لبيان الجنسِ، وإليه ذهب ابنُ عَطِيَّةَ وبَدَأ به.