الإلقاء وإن كان ذلك على أوليائه فلا نسلم أن في الإلقاء تمويهاً لأنهم كانوا عارفين يقيناً بأن المطلوب الشبه لا عيسى عليه السلام كما ستعرفه إن شاء الله تعالى، والقول بأن المطلوب قد ثبت بالتواتر أنه بقي حياً زماناً طويلاً فلولا أنه كان عيسى لأظهر الجزع وعرف نفسه ولو فعل ذلك لاشتهر وتواتر ليس بشيء أيضاً، أما أولاً : فلأن دعوى تواتر بقاء المصلوب حياً زماناً طويلاً مما لم يثبتها برهان والثابت أن المصلوب إنما صلب في الساعة الثانية من يوم الجمعة ومات في الساعة السادسة من ذلك اليوم وأنزل ودفن، ومقدار أربع ساعات لا يعد زماناً طويلاً كما لا يخفى، وأما ثانياً : فلأن عدم تعريف المصلوب نفسه إما لأنه أدركته دهشة منعته من البيان والإيضاح، أو لأن الله تعالى أخذ على لسانه لم يستطع أن يخبر عن نفسه صوناً لنبيه عليه السلام أن يفصح الرجل عن أمره، أو لأنه لصديقيته آثر المسيح بنفسه وفعل ذلك بعهد عهده إليه رغبة في الشهادة، ولهذا ورى في الجواب الذي نقلته النصارى في القصة وقد وعد المسيح عليه السلام التلاميذ على ما نقلوا قبل بقولهم لو دفعنا إلى الموت معك لمتنا والشبه من جملتهم فوفى بما وعد من نفسه على عادة الصديقين من أصحاب الأنبياء عليهم السلام فهو من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومن ذهب إلى أن الشبه كان من الأعداء لا من الأولياء روى أنه جعل يقول لليهود عند الصلب : لست المسيح وإنما أنا صاحبكم لكنه لم يسمع ولم يلتفت إلى قوله وصلبوه، والقول بأنه لو كان ذلك لتواتر لا يخفى ما فيه لمن أحاط بما ذكرناه خبراً فتأمل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٧٩ ـ ١٨٣﴾


الصفحة التالية
Icon