هذا وفي الآية وجه آخر ولعله يخرج من بين فرث ودم وهو أن أهل الكتاب لما تنازعوا فقالت اليهود إبراهيم منا، وقالت النصارى إنه منا أرادت كل طائفة أنه عليه السلام كان إذ ذاك على ما هو عليه الآن من الحال وهو حال مخالف لما عليه نبيهم في نفس الأمر موافق له زعماً على معنى موافقة الأصول للأصول، أو الموافقة فيما يعد في العرف موافقة ولو لم تكن في المعظم وليست هذه الدعوى من البطلان بحيث لا تخفى على أحد فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه :﴿ وَمَا أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ ﴾ [ آل عمران : ٦٥ ] أي وليسا مشتملين على ذلك وهو من الحري بالذكر لو كان، ثم أشار سبحانه إلى ما هم عليه من الحماقة على وجه أتم، ثم صرح سبحانه بما أشار أولاً فقال :﴿ مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا ﴾ أي من الطائفة اليهودية المخالفة لما جاء به موسى عليه السلام في نفس الأمر ﴿ وَلاَ نَصْرَانِيّا ﴾ أي من الطائفة النصرانية المخالفة لما جاء به عيسى عليه السلام كذلك ﴿ وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا ﴾ أي على دين الإسلام الذي ليس عند الله دين مرضي سواه وهو دين جميع الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، وفي ذلك إشارة إلى أن أولئك اليهود والنصارى ليسوا من الدين في شيء لمخالفتهم في نفس الأمر لما عليه النبيان بل الأنبياء، ثم أشار إلى سبب ذلك بما عرّض به من قوله سبحانه :﴿ وَمَا كَانَ مِنَ المشركين ﴾ فعلى هذا يكون المسلم كما قال الجصاص، وأشرنا إليه فيما مرّ مراراً المؤمن ولو من غير هذه الأمة خلافاً للسيوطي في زعمه أن الإسلام مخصوص بهذه الأمة هذا ما عندي في هذا المقام فتدبر فلمسلك الذهن اتساع. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٩٥ ـ ١٩٧﴾


الصفحة التالية
Icon