وقال الطبرى :
وهذا تكذيبٌ من الله عز وجل دعوَى الذين جادلوا في إبراهيم وملته من اليهود والنصارى، وادَّعوا أنه كان على ملتهم وتبرئة لهم منه، وأنهم لدينه مخالفون وقضاءٌ منه عز وجل لأهل الإسلام ولأمة محمد ﷺ أنهم هم أهل دينه، وعلى منهاجه وشرائعه، دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم.
يقول الله عز وجل : ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا كان من المشركين، الذين يعبدون الأصنامَ والأوثانَ أو مخلوقًا دون خالقه الذي هو إله الخلق وبارئهم "ولكن كان حنيفًا"، يعني : متبعًا أمرَ الله وطاعته، مستقيمًا على محجَّة الهدى التي أمر بلزومها "مسلمًا"، يعني : خاشعًا لله بقلبه، متذللا له بجوارحه، مذعنًا لما فَرَض عليه وألزمه من أحكامه. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٦ صـ ٤٩٣ ـ ٤٩٤﴾
وقال ابن عطية :
أخبر الله تعالى في هذه الآية، عن حقيقة أمر إبراهيم، فنفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك الذي هو عبادة الأوثان، ودخل في ذلك الإشراك الذي تتضمنه اليهودية والنصرانية، وجاء ترتيب النفي على غاية الفصاحة، نفى نفس الملل وقرر الحالة الحسنة، ثم نفى نفياً بين به أن تلك الملل فيها هذا الفساد الذي هو الشرك، وهذا كما تقول : ما أخذت لك مالاً بل حفظته، وما كنت سارقاً، فنفيت أقبح ما يكون في الأخذ. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٤٥١﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ﴾ أعلم تعالى براءة إبراهيم من هذه الأديان، وبدأ بانتفاء اليهودية، لأن شريعة اليهود أقدم من شريعة النصارى، وكرر، لا، لتأكيد النفي عن كل واحد من الدينين، ثم استدرك ما كان عليه بقوله ﴿ ولكن كان حنيفاً مسلماً ﴾ ووقعت لكن هنا أحسن موقعها، إذ هي واقعة بين النقيضين بالنسبة إلى اعتقاد الحق والباطل.