اعلم أنه تعالى لما بيّن أن من طريقة أهل الكتاب العدول عن الحق، والإعراض عن قبول الحجة بيّن أنهم لا يقتصرون على هذا القدر، بل يجتهدون في إضلال من آمن بالرسول عليه السلام بإلقاء الشبهات كقولهم : إن محمداً عليه السلام مقر بموسى وعيسى ويدعي لنفسه النبوّة، وأيضاً إن موسى عليه السلام أخبر في التوراة بأن شرعه لا يزول، وأيضاً القول بالنسخ يفضي إلى البداء، والغرض منه تنبيه المؤمنين على أن لا يغتروا بكلام اليهود، ونظير قوله تعالى في سورة البقرة :﴿وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إيمانكم كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ [ البقرة : ١٠٩ ] وقوله ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾ [ النساء : ٨٩ ].
واعلم أن ﴿مِنْ﴾ ههنا للتبعيض وإنما ذكر بعضهم ولم يعمهم لأن منهم من آمن وأثنى الله عليهم بقوله ﴿مّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ﴾ [ المائدة : ٦٦ ] ﴿وَمِنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَة﴾ [ آل عمران : ١١٣ ] وقيل نزلت هذه الآية في معاذ وعمّار بن ياسر وحذيفة دعاهم اليهود إلى دينهم، وإنما قال :﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ ولم يقل أن يضلوكم، لأن ﴿لَوْ﴾ للتمني فإن قولك لو كان كذا يفيد التمني ونظيره قوله تعالى :﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [ البقرة : ٩٦ ].


الصفحة التالية
Icon