اعلم أن الساعي في إخفاء الحق لا سبيل له إلى ذلك إلا من أحد وجهين : إما بإلقاء شبهة تدل على الباطل، وإما بإخفاء الدليل الذي يدل على الحق، فقوله ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل﴾ إشارة إلى المقام الأول وقوله ﴿وَتَكْتُمُونَ الحق﴾ إشارة إلى المقام الثاني أما لبس الحق بالباطل فإنه يحتمل ههنا وجوهاً
أحدها : تحريف التوراة، فيخلطون المنزل بالمحرف، عن الحسن وابن زيد
وثانيها : إنهم تواضعوا على إظهار الإسلام أول النهار، ثم الرجوع عنه في آخر النهار، تشكيكاً للناس، عن ابن عباس وقتادة وثالثها : أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته ﷺ من البشارة والنعت والصفة ويكون في التوراة أيضاً ما يوهم خلاف ذلك، فيكون كالمحكم والمتشابه فيلبسون على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر كما يفعله كثير من المشبهة، وهذا قول القاضي ورابعها : أنهم كانوا يقولون محمداً معترف بأن موسى عليه السلام حق، ثم إن التوراة دالة على أن شرع موسى عليه السلام لا ينسخ وكل ذلك إلقاء للشبهات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٨٢﴾
قوله تعالى :﴿وَتَكْتُمُونَ الحق﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿وَتَكْتُمُونَ الحق﴾ فالمراد أن الآيات الموجودة في التوراة الدالة على نبوّة محمد ﷺ كان الاستدلال بها مفتقراً إلى التفكر والتأمل، والقوم كانوا يجتهدون في إخفاء تلك الألفاظ التي كان بمجموعها يتم هذا الاستدلال مثل ما أن أهل البدعة في زماننا يسعون في أن لا يصل إلى عوامهم دلائل المحققين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٨٢﴾
وقال ابن عاشور :
ولبس الحق بالباطل تلبيس دينهم بما أدخلوا فيه من الأكاذيب والخرافات والتأويلات الباطلة، حتى ارتفعت الثقة بجميعه.