الأول : أن اليهود والنصارى استخرجوا حيلة في تشكيك ضعفه المسلمين في صحة الإسلام، وهو أن يظهروا تصديق ما ينزل على محمد ﷺ من الشرائع في بعض الأوقات، ثم يظهروا بعد ذلك تكذيبه، فإن الناس متى شاهدوا هذا التكذيب، قالوا : هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد، وإلا لما آمنوا به في أول الأمر وإذا لم يكن هذا التكذيب لأجل الحسد والعناد وجب أن يكون ذلك لأجل أنهم أهل الكتاب وقد تفكروا في أمره واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته فلاح لهم بعد التأمل التام، والبحث الوافي أنه كذاب، فيصير هذا الطريق شبهة لضعفة المسلمين في صحة نبوته، وقيل : تواطأ اثنا عشر رجلاً من أحبار يهود خيبر على هذا الطريق.
وقوله ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ معناه أنا متى ألقينا هذه الشبهة فلعل أصحابه يرجعون عن دينه.
الوجه الثاني : يحتمل أن يكون معنى الآية أن رؤساء اليهود والنصارى قال بعضهم لبعض نافقوا وأظهروا الوفاق للمؤمنين، ولكن بشرط أن تثبتوا على دينكم إذا خلوتم بإخوانكم من أهل الكتاب، فإن أمر هؤلاء المؤمنين في اضطراب فزجوا الأيام معهم بالنفاق فربما ضعف أمرهم واضمحل دينهم ويرجعوا إلى دينكم، وهذا قول أبي مسلم الأصفهاني ويدل عليه وجهان الأول : أنه تعالى لما قال :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ﴾ [ النساء : ١٣٧ ] أتبعه بقوله ﴿بَشّرِ المنافقين﴾ [ النساء : ١٣٨ ] وهو بمنزلة قوله ﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤن﴾ [ البقرة : ١٤ ]


الصفحة التالية
Icon