الأول : قرأ ابن كثير ( أن يؤتى ) بمد الألف على الاستفهام والباقون بفتح الألف من غير مد ولا استفهام، فإن أخذنا بقراءة ابن كثير، فالوجه ظاهر وذلك لأن هذه اللفظة موضوعة للتوبيخ كقوله تعالى :﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا قَالَ أساطير الأولين﴾ [ القلم : ١٤، ١٥ ] والمعنى أمن أجل أن يؤتي أحد شرائع مثل ما أوتيتم من الشرائع ينكرون اتباعه ؟ ثم حذف الجواب للاختصار، وهذا الحذف كثير يقول الرجل بعد طول العتاب لصاحبه، وتعديده عليه ذنوبه بعد كثرة إحسانه إليه أمن قلة إحساني إليك أمن إهانتي لك ؟ والمعنى أمن أجل هذا فعلت ما فعلت ؟ ونظيره قوله تعالى :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ الليل ساجدا وَقَائِماً يَحْذَرُ الأخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ﴾ [ الزمر : ٩ ] وهذا الوجه مروي عن مجاهد وعيسى بن عمر.
أما قراءة من قرأ بقصر الألف من ﴿أن﴾ فقد يمكن أيضاً حملها على معنى الاستفهام كما قرىء ﴿سَوَاءَ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾ [ البقرة : ٦ ] بالمد والقصر، وكذا قوله ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ قرىء بالمد والقصر، وقال امرؤ القيس :
تروح من الحي أم تبتكر ؟.. وماذا عليك ولم تنتظر
أراد أروح من الحي ؟ فحذف ألف الاستفهام، وإذا ثبت أن هذه القراءة محتملة لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.


الصفحة التالية
Icon