الوجه الثاني : أن أولئك لما قالوا لأتباعهم : لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يقول لهم إن الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتي أحد سواكم من الهدى مثل ما أوتيتموه ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ يعني هؤلاء المسلمين بذلك ﴿عِندَ رَبّكُمْ﴾ إن لم تقبلوا ذلك منهم، أقصى ما في الباب أنه يفتقر في هذا التأويل إلى إضمار قوله فلا تنكروا لأن عليه دليلاً وهو قوله ﴿إِنَّ الهدى هُدَى الله﴾ فإنه لما كان الهدى هدى الله كان له تعالى أن يؤتيه من يشاء من عباده ومتى كان كذلك لزم ترك الإنكار.
الوجه الثالث : إن الهدى اسم للبيان كقوله تعالى :﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم فاستحبوا العمى عَلَى الهدى﴾ [ فصلت : ١٧ ] فقوله ﴿إِنَّ الهدى﴾ مبتدأ وقوله ﴿هُدَى الله﴾ بدل منه وقوله ﴿أَن يؤتى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ خبر بإضمار حرف لا، والتقدير : قل يا محمد لا شك أن بيان الله هو أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وهو دين الإسلام الذي هو أفضل الأديان وأن لا يحاجوكم يعني هؤلاء اليهود عند ربكم في الآخرة لأنه يظهر لهم في الآخرة أنكم محقون وأنهم مضلون، وهذا التأويل ليس فيه إلا أنه لا بد من إضمار حرف ﴿لا﴾ وهو جائز كما في قوله تعالى :﴿أَن تَضِلُّواْ﴾ [ النساء : ٤٤ ] أي أن لا تضلوا.