ثم قال :﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم﴾ وفيه إشارة إلى الجواب عن شبهات النصارى، وذلك لأن اعتمادهم على أمرين أحدهما : أنه قدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فكأنه تعالى قال : هذا القدر من القدرة لا يكفي في الإلهية، بل لا بد وأن يكون عزيزاً غالباً لا يدفع ولا يمنع، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى ما كان كذلك، وكيف وأنتم تقولون إن اليهود قتلوه ؟
والثاني : أنهم قالوا : إنه كان يخبر عن الغيوب وغيرها، فيكون إلها، فكأنه تعالى قال : هذا القدر من العلم لا يكفي في الإلهية، بل لا بد وأن يكون حكيماً، أي عالماً بجميع المعلومات وبجميع عواقب الأمور، فذكر ﴿العزيز الحكيم﴾ ههنا إشارة إلى الجواب عن هاتين الشبهتين ونظير هذه الآية ما ذكره تعالى في أول السورة من قوله ﴿هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء لا إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم﴾ [ آل عمران : ٦ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٧٥﴾
فائدة
قال ابن عادل :
قوله :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن ﴿ مِنْ إله ﴾ مبتدأ، و" مِنْ " مزيدة فيه، و" إلاَّ اللهُ " خبره، تقديره : ما إلَهٌ إلا اللهُ، وزيدت " مِنْ " للاستغراق والعموم.
قال الزمخشريُّ : و" مِنْ " - في قوله :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ - بمنزلة البناء على الفتح في : لا إلَهَ إلا اللهُ - في إفادة معنى الاستغراق.
قال شهابُ الدينِ : الاستغراق في : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، لم نستفده من البناء على الفتح، بل استفدناه من " مِنْ " المقدَّرة، الدالة على الاستغراق، نَصَّ النحويون على ذلك، واستدلوا عليه بظهورها في قول الشاعر :[ الطويل ]
فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ... وَقَالَ : ألاَ لاَ مِنْ سَبيلٍ إلَى هِنْدٍ