لكن القرآن إنما يهتم بما قالوا به في أمر عيسى نفسه وأمه لمساسه بأساس التوحيد الذي هو الغرض الوحيد فيما يدعو إليه القرآن الكريم والدين الفطري القويم وأما بعض الجزئيات كمسألة التحريف ومسألة التفدية فلم يهتم به ذاك الاهتمام والذي حكاه القرآن الكريم عنهم أو نسبه إليهم ما في قوله تعالى ﴿وقالت النصارى المسيح ابن الله﴾ : التوبة - ٣٠ وما في معناه كقوله تعالى ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه﴾ : الأنبياء - ٢٦ وما في قوله تعالى ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم﴾ : المائدة - ٧٢ وما في قوله تعالى ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة﴾ : المائدة - ٧٣ وما في قوله تعالى ﴿ولا تقولوا ثلاثة﴾ : النساء - ١٧١.
وهذه الآيات وإن اشتملت بظاهرها على كلمات مختلفة ذوات مضامين ومعان متفاوتة ولذلك ربما حملت على اختلاف المذاهب في ذلك كمذهب الملكانية القائلين بالبنوة الحقيقية والنسطورية القائلين بأن النزول والبنوة من قبيل إشراق النور على جسم شفاف كالبلور واليعقوبية القائلين بأنه من الانقلاب وقد انقلب الاله سبحانه لحما ودما لكن الظاهر أن القرآن لا يهتم بخصوصيات مذاهبهم المختلفة وإنما يهتم بكلمة واحدة مشتركة بينهم جميعا وهو البنوة وأن المسيح من سنخ الإله سبحانه وما يتفرع عليه من حديث التثليث وإن اختلفوا في تفسيرها اختلافا كثيرا وتعرقوا في المشاجرة والنزاع والدليل على ذلك وحدة الاحتجاج الوارد عليهم في القرآن لسانا.
بيان ذلك أن التوراة والأناجيل الحاضرة جميعا تصرح بتوحيد الإله تعالى من جانب والإنجيل يصرح بالبنوة من جانب آخر وصرح بأن الابن هو الأب لا غير.


الصفحة التالية
Icon