والباء للسبب أي ذلك مُسَببٌ عن أقوال اختلقوها، وعبّر عن ذلك بالقول، لأنّ القول يصدر عن الاعتقاد، فلذا ناب منابه فأطلق على الظنّ في مواضع من كلام العرب.
وأرادوا بالأميين من ليسوا من أهل الكتاب في القديم، وقد تقدم بيان معنى الأمي في سورة البقرة.
وحرف ( في ) هنا للتعليل.
وإذ قد كان التعليل لا يتعلق بالذوات، تعيَّن تقدير مضاف مجرور بحرف ( في ) والتقدير في معاملة الأمّيّين.
ومعنى ليس علينا في الأميين سبيل ليس علينا في أكل حقوقهم حرج ولا إثم، فتعليق الحكم بالأميين أي ذواتِهم مراد منه أعلق أحوالهم بالغرض الذي سبق له الكلام.
فالسبيل هنا طريق المؤاخذة، ثم أطلق السبيل في كلام العرب مجازاً مشهوراً على المؤاخذة قال تعالى :﴿ مَا على المحسنين من سبيل ﴾ [ التوبة : ٩١ ] وقال :﴿ إنما السبيل على الذين يستأذنوك ﴾ [ التوبة : ٩٣ ] وربما عبّر عنه العرب بالطريق قال حُميد بن ثور :
وهل أنا إن علّلتُ نفسي بسَرحة
من السرْح موجود عليَّ طريق...
وقصدهم بذلك أن يحقروا المسلمين، ويتطاولوا بما أوتوه من معرفة القراءة والكتابة مِنْ قبلهم.
أو أرادوا الأميين بمعرفة التوراة، أي الجاهلين : كناية عن كونهم ليسوا من أتباع دِين موسى عليه السلام.
وأيَّاماً كان فقد أنْبَأ هذا عن خلق عجيب فيهم، وهو استخفافهم بحقوق المخالفين لهم في الدين، واستباحةُ ظلمهم مع اعتقادهم أنّ الجاهل أو الأمّي جدير بأن يدحَضُ حقُه.
والظاهر أنّ الذي جرّأهم علَى هذا سوء فهمهم في التوراة، فإنّ التوراة ذكرت أحكاماً فرّقت فيها بين الإسرائيلي وغيره في الحقوق، غير أنّ ذلك فيما يرجع إلى المؤاساة والمخالطة بين الأمة، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح الخامس عشر :"في آخر سبع سنين تعمل إبراء يبرىء كلُ صاحب دين يدَه ممّا أقرض صاحبه.