قال القرطبيُّ :" مَنْ " رفع بالابتداء، وهو شرط، و" أوفى " في موضع جزم " واتَّقَى " معطوف عليه، واتقى الله، ولم يكذب، ولم يستحل ما حرم عليه ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ أي يحب أولئك.
و" بعهده " يجوز أن يكون المصدر مضافاً لفاعله على أن الضمير يعود على " مَنْ ". أو مضافاً إلى مفعوله على أنه يعود على " اللهِ " ويجوز أن يكون المصدر مضافاً للفاعل وإن كان الضمير لله تعالى وإلى المفعول وإن كان الضمير عائداً على " مَنْ " ومعناه واضح عند التَّأمُّلِ.
فإن قيل : بتقدير أن يكون الضميرُ عائداً إلى الفاعل، وهو " مَنْ " فإنه يدل على أنه لو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانةَ، فإنهم يكتسبونَ محبة اللهِ.
فالجواب أن الأمر كذلك، فإنهم إذا وفوا بالعهود، فأول ما يوفون به العهد الأعظم، وهو ما أخذَ الله عليهم في كتابهم من الإيمان بمحمد ﷺ وبما جاء به، وهو المراد بالعهد في هذه الآية قال ﷺ " أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانتْ فيه وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خصلَةٌ مِن النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذا ائتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حدَّث كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَم فَجرَ ". أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٥ صـ ٣٣٨﴾