اختلف العقلاء في تفسير قوله ﴿كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم﴾ أما المعتزلة فقالوا : إن أصولنا تشهد بأنه تعالى هدى جميع الخلق إلى الدين بمعنى التعريف، ووضع الدلائل وفعل الألطاف، إذ لو يعم الكل بهذه الأشياء لصار الكافر والضال معذوراً، ثم إنه تعالى حكم بأنه لم يهد هؤلاء الكفار، فلا بد من تفسير هذه الهداية بشيء آخر سوى نصب الدلائل، ثم ذكروا فيه وجوهاً الأول : المراد من هذه الآية منع الألطاف التي يؤتيها المؤمنين ثواباً لهم على إيمانهم كما قال تعالى :﴿والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [ العنكبوت : ٦٩ ] وقال تعالى :﴿وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى﴾ [ مريم : ٧٦ ] وقال تعالى :﴿والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [ محمد : ١٧ ] وقال :﴿يَهْدِى بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام﴾ [ المائدة : ١٦ ] فدلت هذه الآيات على أن المهتدي قد يزيده الله هدىً
الثاني : أن المراد أن الله تعالى لا يهديهم إلى الجنة قال تعالى :﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ﴾ [ النساء : ١٦٨، ١٦٩ ] وقال :﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار﴾ [ يونس : ٩ ]


الصفحة التالية
Icon