ولما أثبت لهم الخصوصية بذلك لائناً لهم فيه إلى حد أيس معه من رجوعهم تشوف السامع إلى حالهم في الآخرة فقال مبيناً لهم أن السبب في عدم قبول توبتهم تفويت محلها بتماديهم على الكفر :﴿إن الذين كفروا﴾ أي هذا الكفر أو غيره، ويجوز أن يكون المراد أنهم ثلاثة أقسام : التائبون توبة صحيحة وهم الذين أصلحوا، والتائبون توبة فاسدة، والواصلون كفرهم بالموت من غير توبة، ولذا قال :﴿وماتوا وهم كفار﴾ ولما كان الموت كذلك سبباً للخلود في النار لأن السياق للكفر والموت عليه، صرح بنفي قبول الفداء كائناً من كان، وربطه بالفاء فقال :﴿فلن يقبل﴾ أي بسبب شناعة فعلهم الذي هو الاجتراء على الكفر ثم الموت عليه ﴿من أحدهم﴾ أي كائناً من كان ﴿ملء الأرض ذهباً﴾ أي من الذهب لا يتجدد له قبول ذلك لو بذله هبة أوهدية أو غير ذلك ﴿ولو افتدى به﴾ لو في مثل هذا السياق تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء، وما بعدها جاء تنصيصاً على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها، كقوله ﷺ " أعطوا السائل ولو جاء على فرس " فكونه جاء على فرس يؤذن بغناه، فلا يناسب أن يعطى فنص عليه ؛ وأما هنا فلما كان قبول الفدية واجباً عند أهل الكتاب - كما مر في قوله سبحانه وتعالى ﴿وإن يأتوكم أسارى تفادوهم﴾ [ البقرة : ٨٥ ] كان بحيث ربما ظن أن بذله - على طريق الافتداء يخالف بذله على غير ذلك الوجه حتى يجب قبوله، فنص عليه ؛ وأيضاً فحالة الافتداء حالة لا يمتن فيها المفتدي على المفتدى منه، إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدى - قاله أبو حيان.


الصفحة التالية
Icon