وظاهر هذه الأخبار يدل على أن الإنفاق في الآية يعم المستحب، وروي عن ابن عباس أن المراد به إخراج الزكاة الواجبة وما فرضه الله تعالى في الأموال فكأنه قيل : لن تنالوا البر حتى تخرجوا زكاة أموالكم وهو مبني على أن المراد من ما تحبون المال لا كرائمه، فقول النيسابوري : إنه يرد عليه أنه لا يجب على المزكي أن يخرج أشرف أمواله وأكرمها، ناشيء من قلة التأمل، ولو تأمل ما اعترض على ترجمان القرآن وحبر الأمة، ونقل الواحدي عن مجاهد والكلبي أن الآية منسوخة بآية الزكاة، وضعف بأن إيجاب الزكاة لا ينافي الترغيب في بذل المحبوب في سبيل الله تعالى، واستشكلت هذه الآية بأن ظاهرها يستدعي أن الفقير الذي لم ينفق طول عمره مما يحبه لعدم إمكانه لا يكون باراً أو لا يناله برّ الله تعالى بأهل طاعته مع أنه ليس كذلك، وأجيب بأن الكلام خارج مخرج الحث على الإنفاق وهو مقيد بالإمكان وإنما أطلق على سبيل المبالغة في الترغيب، وقيل : الأولى أن يكون المراد : لن تنالوا البر الكامل الواقع على أشرف الوجوه حتى تنفقوا مما تحبون والفقير الذي لم ينفق طول عمره لا يبعد القول بأنه لا يكون باراً كاملاً ولا يناله برّ الله تعالى الكامل بأهل طاعته، وقيل : الأولى من هذا الأولى أن يقال : إن المراد : لن تنالوا البر على الإنفاق حتى تنفقوا مما تحبون وحاصله أن الإنفاق من المحبوب يترتب عليه نيل البر وأن الإنفاق مما عداه لا يترتب عليه نيل البر، وليس في الآية ما يدل على حصر ترتب البر على الإنفاق من المحبوب، ونفي ترتب البر على فعل آخر من الأفعال المأمور بها، وحينئذ لا يبعد أن يكون الفقير الغير المنفق باراً أو نائلاً برّ الله تعالى بأهل طاعته من جهة أخرى، وربما تستدعي أفعاله الخالية عن إنفاق المال من البرّ ما هو أكمل وأوفر مما يستدعيه


الصفحة التالية