قال بعضهم : وتدل هذه الآية على أن الكلام يصير شعراً بأشياء، منها : قصد المتكلم إلى أن يكون شعراً، لأن هذه الآية على وزن بيت الرمل، يسمى المجزؤ والمسبع، وهو :
يا خليليّ أربعا واستخبر ال...
منزل الدارس عن حيّ حلال
رسماً بعسفان...
ولا يجوز أن يقال : إن في القرآن شعراً. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٥٤٦ ـ ٥٤٧﴾
وقال ابن عاشور :
﴿لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
اسئناف وقع معتَرَضاً بين جملة ﴿إن الذين كفروا وماتوا وهم كفّار﴾ [ آل عمران : ٩١ ] الآية، وبين جملة ﴿كُلّ الطعام كانَ حِلاّ لبني إسرائيل﴾ [ آل عمران : ٩٣ ].
وافتتاح الكلام ببيان بعض وسائل البرّ إيذَان بأنّ شرائع الإسلام تدور على مِحْور البرّ، وأنّ البرّ معنى نفساني عظيم لا يخرِم حقيقته إلاّ ما يفضى إلى نقض أصل من أصول الاستقامة النَّفسانيّة.
فالمقصود من هذه الآيَة أمران : أوّلهما التَّحريض على الإنفاق والتّنويه بأنّه من البرّ، وثانيهما التنويه بالبرّ الَّذِي الإنفاق خصلة من خصاله.
ومناسبة موقع هذه الآية تِلْو سابقتها أنّ الآية السّابقة لمّا بينت أنّ الّذين كفروا لن يقبل من أحدهم أعظم ما ينفقه، بيّنت هذه الآية ما ينفع أهل الإيمان من بذل المال، وأنّه يبلغ بصاحبه إلى مرتبة البرّ، فبيْن الطرفيْن مراتب كثيرة قد علمها الفطناء من هذه المقابلة.
والخطاب للمؤمنين لأنَّهم المقصود من كُلّ خطاب لم يتقدّم قبله ما يعيِّن المقصود منه.