والبرّ كمال الخير وشموله في نوعه : إذ الخير قد يعظم بالكيفية، وبالكميّة، وبهما معاً، فبذل النَّفس في نصر الدّين يعظم بالكيفية في ملاقاة العدوّ الكثير بالعدد القليل، وكذلك إنقاذ الغريق في حالة هوْل البحر، ولا يتصوّر في مثل ذلك تعدّد، وإطعام الجائع يعظم بالتعدّد، والإنفاق يعظم بالأمرين جميعاً، والجزاء على فعل الخير إذا بلغ كمال الجزاء وشموله كان برّاً أيضاً.
وروَى النَّوَّاسُ بن سِمْعان عن النبي ﷺ أنّه قال :" البرُّ حُسْن الخُلُق والإثممِ ما حاك في النفْس وكَرهتَ أن يَطَّلع عليه الناس " رواه مسلم.
ومُقابَلَة البرّ بالإثم تدلّ على أنّ البرّ ضدّ الإثم.
وتقدّم عند قوله تعالى :﴿ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قِبل المَشرق والمغرب﴾ [ البقرة : ١٧٧ ].
وقد جعل الإنفاق من نفس المال المُحَبّ غاية لانتفاء نوال البرّ، ومقتضى الغاية أنّ نوال البرّ لا يحصل بدونها، وهو مشعر بأنّ قبْل الإنفاق مسافاتتٍ معنوية في الطريق الموصلة إلى البرّ، وتلك هي خصال البرّ كلّها بقيتْ غير مسلوكة، وأنّ البرّ لا يحصل إلاّ بنِهايتها وهو الإنفاق من المحبوب، فظهر ل ( حتّى ) هنا موقع من البلاغة لا يخلفها فيه غيرها : لأنَّه لو قيل إلاّ أن تنفقوا مِمَّا تحبّون، لتوهمّ السامع أنّ الإنفاق من المحَبِّ وحده يوجب نَوال البِرّ، وفاتت الدلالة على المسافات والدرجات الَّتي أشعرت بها ( حتَّى ) الغائية.
و( تنالوا ) مشتقّ من النوال وهو التّحصيل على الشيء المعطي.
والتّعريف في البِرّ تعريف الجنس : لأنّ هذا الجنس مركّب من أفعال كثيرة منها الإنفاق المخصوص، فبدونه لا تتحقَّق هذه الحقيقة.
والإنفاق : إعطاء المال والقوتتِ والكسوة.