اعلم أنه تعالى لما بيّن أن الإنفاق لا ينفع الكافر ألبتة علم المؤمنين كيفية الإنفاق الذي ينتفعون به في الآخرة، فقال :﴿لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وبيّن في هذه الآية أن من أنفق مما أحب كان من جملة الأبرار، ثم قال في آية أخرى ﴿إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيم﴾ [ المطففين : ٢٢ ] وقال أيضاً :﴿إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كافورا﴾ [ الإنسان : ٥ ] وقال أيضاً :﴿إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ * عَلَى الأرائك يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * ختامه مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون﴾ [ المطففين : ٢٢، ٢٦ ] وقال :﴿لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب﴾ [ البقرة : ١٧٧ ] فالله تعالى لما فصل في سائر الآيات كيفية ثواب الأبرار اكتفى ههنا بأن ذكر أن من أنفق ما أحب نال البر، وفيه لطيفة أخرى.
وهي أنه تعالى قال :﴿لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البر مَنْ ءَامَنَ بالله واليوم الآخر والملائكة﴾ إلى آخر الآية، فذكر في هذه الآية أكثر أعمال الخير، وسماه البر ثم قال في هذه الآية ﴿لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ والمعنى أنكم وإن أتيتم بكل تلك الخيرات المذكورة في تلك الآية فإنكم لا تفوزون بفضيلة البر حتى تنفقوا مما تحبون، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أنفق ما يحبه كان ذلك أفضل الطاعات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١١٧﴾
فصل
قال القرطبى :