أجاب المفسرون عنه من وجوه
الأول : أنه لا يبعد أن الإنسان إذا حرم شيئاً على نفسه فإن الله يحرمه عليه ألا ترى أن الإنسان يحرم امرأته على نفسه بالطلاق، ويحرم جاريته بالعتق، فكذلك جائز أن يقول تعالى إن حرمت شيئاً على نفسك فأنا أيضاً أحرمه عليك
الثاني : أنه عليه الصلاة والسلام ربما اجتهد فأدى اجتهاده إلى التحريم، فقال بحرمته وإنما قلنا : إن الاجتهاد جائز من الأنبياء لوجوه
الأول : قوله تعالى :﴿فاعتبروا يا أولى الأبصار﴾ [ الحشر : ٢ ] ولا شك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رؤساء أولي الأبصار
والثاني : قال :﴿لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [ النساء : ٨٣ ] مدح المستنبطين والأنبياء أولى بهذا المدح
والثالث : قال تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام ﴿عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ [ التوبة : ٤٣ ] فلو كان ذلك الإذن بالنص، لم يقل : لم أذنت، فدل على أنه كان بالاجتهاد
الرابع : أنه لا طاعة إلا وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها أعظم نصيب ولا شك أن استنباط أحكام الله تعالى بطريق الاجتهاد طاعة عظيمة شاقة، فوجب أن يكون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها نصيب لا سيما ومعارفهم أكثر وعقولهم أنور وأذهانهم أصفى وتوفيق الله وتسديده معهم أكثر، ثم إذا حكموا بحكم بسبب الاجتهاد يحرم على الأمة مخالفتهم في ذلك الحكم كما أن الإجماع إذا انعقد على الاجتهاد فإنه يحرم مخالفته
والأظهر الأقوى أن إسرائيل صلوات الله عليه إنما حرم ذلك على نفسه بسبب الاجتهاد إذ لو كان ذلك بالنص لقال إلا ما حرّم الله على إسرائيل فلما أضاف التحريم إلى إسرائيل دل هذا على أن ذلك كان بالاجتهاد وهو كما يقال : الشافعي يحل لهم الخيل وأبو حنيفة يحرمه بمعنى أن اجتهاده أدى إليه فكذا ههنا.