وفي استدعاء التوراة منهم وتلاوتها الحجةُ الواضحة على صدق رسول الله ﷺ، إذ كان عليه السلام النبيّ الأميَّ الذي لم يقرأ الكتب ولا عرف أخبار الأمم السالفة، ثم أخذ يحاجهم ويستشهد عليهم بما في كتبهم ولا يجدون من إنكاره محيصاً.
وفي الآية دليل على جواز النسخ في الشرائع، وهم ينكرون ذلك.
وخرج قوله :" إن كنتم صادقين " مخرجَ الممكن، وهم معلوم كذبهم.
وذلك على سبيل الهزء بهم كقولك : إنْ كنت شجاعاً فالقني، ومعلوم، عندك أنَّه ليس بشجاع، ولكن هزأت به إذ جعلت هذا الوصف مما يمكن أن يتصف به. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٥﴾

فصل


قال ابن عادل :
الحِلّ بمعنى : الحَلالَ، وهو - في الأصل - مصدر لِ " حَلَّ يَحِلُّ "، كقولك : عز يعز عزًّا، ثم يطلق على الأشخاص، مبالغة، ولذلك يَسْتَوي فيه الواحدُ والمثنَّى والمجموعُ، والمذكَّرُ والمؤنثُ، كقوله تعالى :﴿لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [ الممتحنة : ١٠ ]، وفي الحديث عن عائشة :" كُنْتُ أطيِّبُ رَسُولَ الله ﷺ لِحِلِّه ولِحَرَمِهِ "، أي لإحلاله ولإحرامه، وهو كالحرم واللبس - بمعنى : الحرام واللباس - وقال ابن عباس - في زمزم - : هي حِلٌّ وبِلٌّ. رواه سفيان بن عُيَيْنَة، فسئل سفيان، ما حِلّ ؟ فقال : محَلَّل. و" لِبَني " : متعلق بـ " حِلاًّ ".
قوله :﴿إِلاَّ مَا حَرَّمَ﴾ مستثنى من اسم " كَانَ ".
وجوَّز أبو البقاء أن يكون مستثنًى من ضمير مستتر في " حِلاًّ " فقال لأنه استثناء من اسم " كَانَ " والعامل فيه :" كان "، ويجوز أن يعمل فيه " حِلاًّ "، ويكون فيه ضمير يكون الاستثناء منه ؛ لأن حِلاًّ وحلالاً في موضع اسم الفاعل بمعنى الجائز والمباح.
وفي هذا الاستثناء قولان :


الصفحة التالية
Icon