ومن فوائد صاحب المنار فى الآيات السابقة
قال رحمه الله :
﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾
كَانَ الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ، وَاسْتَتْبَعَ ذَلِكَ مُحَاجَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ بِدَعِهِمْ وَمَا اسْتَحْدَثُوا فِي دِينِهِمْ. أَمَّا هَذِهِ الْآيَاتُ فَفِي دَفْعِ شُبْهَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ شُبُهَاتِ الْيَهُودِ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَرَّرَهُمَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هَكَذَا :
قَالُوا : إِذَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ - كَمَا تَدَّعِي - فَكَيْفَ تَسْتَحِلُّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ كَلَحْمِ الْإِبِلِ ؟ أَمَا وَقَدِ اسْتَبَحْتَ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّكَ مُصَدِّقٌ لَهُمْ وَمُوَافِقٌ فِي الدِّينِ، وَلَا أَنْ تَخُصَّ إِبْرَاهِيمَ بِالذِّكْرِ وَتَقُولَ : إِنَّكَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ. هَذِهِ هِيَ الشُّبْهَةُ الْأُولَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللهَ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ تَكُونَ الْبَرَكَةُ فِي نَسْلِ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ، وَجَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْحَاقَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَيُصَلُّونَ إِلَيْهِ، فَلَوْ كُنْتَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَعَظَّمْتَ مَا عَظَّمُوا، وَلَمَا تَحَوَّلْتَ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعَظَّمْتَ مَكَانًا آخَرَ اتَّخَذْتَهُ مُصَلًّى وَقِبْلَةً - وَهُوَ الْكَعْبَةُ - فَخَالَفْتَ الْجَمِيعَ.