فصل
قال ابن عاشور :
إن الدعوة إلى الخير تتفاوت : فمنها ما هو بين يقوم به كل مسلم، ومنها ما يحتاج إلى علم فيقوم به أهله، وهذا هو المسمى بفرض الكفاية، يعني إذ قام به بعض الناس كفى عن قيام الباقين، وتتعين الطائفة التي تقوم بها بتوفر شروط القيام بمثل ذلك الفعل فيها، كالقوة على السلاح في الحرب، وكالسباحة في إنقاذ الغريق، والعلم بأمور الدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك تعين العدد الذي يكفي للقيام بذلك الفعل مثل كون الجيش نصف عدد جيش العدو، ولما كان الأمر يستلزم متعلقا فلمأمور في فرض الكفاية الفريق الذين فيهم الشروط، ومجموع أهل البلد، أو القبيلة، لتنفيذ ذلك، فإذا قام به العدد الكافي ممن فيهم الشروط سقط التكليف عن الباقين، وإذا لم يقوموا به كان الإثم على البلد أو القبيلة، لسكوت جميعهم، ولتقاعس الصالحين للقيام بذلك، مع سكوتهم أيضا ثم إذا قام به البعض فإنما يثاب ذلك البعض خاصة.
ومعنى الدعاء إلى الخير الدعاء إلى الإسلام، وبث دعوة النبي ﷺ، فإن الخير اسم يجمع خصال الإسلام : ففي حديث حذيفة بن اليمان "قلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر" الحديث، ولذلك يكون عطف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه من عطف الشيء على مغايره، وهو أصل العطف.
وقيل : أريد بالخير ما يشمل جميع الخيرات، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون العطف من عطف الخاص على العام للاهتمام به.
وحذفت مفاعيل يدعون ويأمرون وينهون لقصد التعميم أي يدعون كل أحد كما في قوله تعالى :﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ﴾ [يونس : ٢٥].