والمعروف هو ما يعرف وهو مجاز في المقبول المرضي به، لأن الشيء إذا كان معروفا كان مألوفا مقبولا مرضيا به، وأريد به هنا ما يقبل عند أهل العقول، وفي الشرائع، وهو الحق والصلاح، لأن ذلك مقبول عند انتفاء العوارض.
والمنكر مجاز في المكروه، والكره لازم للإنكار لأن المنكر في أصل اللسان هو الجهل ومنه تسمية غير المألوف نكرة، وأريد به هنا الباطل والفساد، لأنهما من المكروه في الجبلة عند انتفاء العوارض.
والتعريف في الخير، والمعروف، والمنكر تعريف الاستغراق، فيفيد العموم في المعاملات بحسب ما ينتهي إليه العلم والمقدرة فيشبه الاستغراق العرفي.
ومن المفسرين من عين جعل من في قوله تعالى :﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ للبيان، وتأول الكلام بتقدير تقديم البيان على المبين فيصير المعنى : ولتكن أمة هي انتم أي ولتكونوا أمة يدعون، محاولة للتسوية بين مضمون هذه الآية، ومضمون قوله تعالى :﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عمران : ١١٠] ومساواة معنيي الآيتين غير متعينة لجواز أن يكون المراد من خير أمة هاته الأمة، التي قامت بالأمر بالمعروف، على ماسنبينه هنالك.
والآية أوجبت أن تقوم طائفة من المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولاشك أن الأمر والنهي من أقسام القول والكلام، فالمكلف به هو بيان المعروف، والأمر به، وبيان المنكر، والنهي عنه، وأما امتثال المأمورين والمنهيين لذلك، فموكول إليهم أو إلى ولاة الأمور الذين يحملونهم على فعل ما أمروا به، وأما ما وقع في الحديث "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فأن لم يستطيع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه" فذلك مرتبة التغيير، والتغيير يكون باليد، ويكون بالقلب أي تمني التغيير، وأما الأمر والنهي فلا يكونان بهما.


الصفحة التالية
Icon