وأهل القرآن والسنة لا ينطلق إلا على المدح، لأن الكتاب قد يراد به ما افتعلوه دون ما أنزل الله نحو :﴿يكتبون الكتاب بأيديهم﴾ وقد يراد به ما أنزل الله.
وأيضاً فقد يصحُّ أنْ يُقال على سبيل الذمّ والتهكم، كما لو قيل : يا أهل الكتاب لمن لا يعمل بمقتضاه، انتهى ما لخص من كلامه. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ١٦﴾
فائدة
قال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ﴾.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ :" نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ كَانُوا يُغْرُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِذِكْرِهِمْ الْحُرُوبَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَنْسَلِخُوا مِنْ الدِّينِ بِالْعَصَبِيَّةِ وَحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
وَعَنْ الْحَسَنِ :" أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا فِي كِتْمَانِهِمْ صِفَتَهُ فِي كُتُبِهِمْ ".
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ سَمَّى اللَّهُ الْكُفَّارَ شُهَدَاءَ وَلَيْسُوا حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ لَكُمْ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ :﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ فِي صِحَّةِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَثُبُوتِ حُجَّتِهِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَمْ يَقُلْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ عَلَى غَيْرِكُمْ، وَقَالَ هُنَاكَ :﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ كَمَا قَالَ :﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ تَصْدِيقَهُمْ وَصِحَّةَ إجْمَاعِهِمْ.