ومن فوائد القاسمى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
ينهى تعالى عباده أن يكونوا كاليهود في افتراقهم مذاهب، واختلافهم عن الحق بسبب اتباع الهوى، وطاعة النفس، والحسد، حتى صار كل فريق منهم يصدق من الأنبياء بعضاً دون بعض، ويدعو إلى ما ابتدعه في دينه، فصاروا إلى العداوة والفرقة من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحة، المبينة للحق، الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة، وهي كلمة الحق، فالنهي متوجه إلى المتصدين للدعوة أصالة، وإلى أعقابهم تبعاً. وفي قوله تعالى :﴿ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ من التأكيد والمبالغة في وعيد المتفرقين، والتشديد في تهديد المشبهين بهم، ما لا يخفى.
تنبيهات :
الأول : ذكر الفخر الرازي من وجوه قوله تعالى :﴿ اخْتَلَفُواْ ﴾ أي : بأن صار كل واحد منهم يدعي أنه على الحق، وأن صاحبه على الباطل. ثم قال : وأقول إنك إذا أنصفت علمت أن أكثر علماء هذا الزمان صاروا موصوفين بهذه الصفة. فنسأل الله العفو والرحمة - انتهى كلامه - وقوله هذا الزمان إشارة إلى أن هذا الحال لم يكن في علماء السلف، وما زالوا يختلفون في الفروع وفي الفتاوى بحسب ما قام لديهم من الدليل، ما أداه إليه اجتهادهم، ولم يضلل بعضهم بعضاً، ولم يدّع أحدهم أنه على الصواب الذي لا يحتمل الخطأ وأن مخالفه على خطأ لا يحتمل الصواب، وإنما نشأ هذا من جمود المقلدة المتأخرين وتعصبهم وظنهم عصمة مذهبهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد تفرق أصحاب رسول الله ﷺ في البلاد، وصار عند كل قوم علم غير ما عند الآخرين، وهم على وحدتهم وتناصرهم.