وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } [ الأنبياء : ٧٨ - ٧٩ ]. وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال، في الأصول والفروع.
ثم قال : وإذا تدبر الْإِنْسَاْن تنازع الناس وجد عند كل طائفة من العلم ما ليس عند الأخرى، كما في مسائل الأحكام. ولم يستوعب الحق إلا من اتبع المهاجرين والأنصار، وآمن بما جاء به الرسول كله على وجهه، وهؤلاء هم أهل المرحمة الذين لا يختلفون. انتهى.
فعلم أن اختلاف الصحابة والتابعين والمجتهدين في الفروع ليس مما تشمله الآية، فإن المراد منها الاختلاف عن الحق، بعد وضوحه، يرفضه، وشتان ما بين الاختلافين. ثم على طالب الحق أن يستعمل نظره فيما يؤثر من هذه الخلافيات، فما وجده أقوى دليلاً أخذ به، وإلا تركه. وحينئذ يكون ممن قال الله تعالى فيه :﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [ الزمر : ١٧ - ١٨ ]. وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه، فليدعُ بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان يقول - إذا قام يصلي من الليل - < اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم >. فإن الله تعالى قال فيما رواه عنه رسول الله ﷺ :< يا عبادي كلكم ضال إلا من هديت، فاستهدوني أهدكم >. انتهى.