وتقول العرب لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه : ابيض وجهه ومعناه الاستبشار والتهلل وعند التهنئة بالسرور يقولون : الحمد لله الذي بيض وجهك، ويقال لمن وصل إليه مكروه : إربد وجهه واغبر لونه وتبدلت صورته، فعلى هذا معنى الآية أن المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه فإن كان ذلك من الحسنات ابيض وجهه بمعنى استبشر بنعم الله وفضله، وعلى ضد ذلك إذا رأى الكافر أعماله القبيحة محصاة اسود وجهه بمعنى شدة الحزن والغم وهذا قول أبي مسلم الأصفهاني.
والقول الثاني : إن هذا البياض والسواد يحصلان في وجوه المؤمنين والكافرين، وذلك لأن اللفظ حقيقة فيهما، ولا دليل يوجب ترك الحقيقة، فوجب المصير إليه، قلت : ولأبي مسلم أن يقول : الدليل دل على ما قلناه، وذلك لأنه تعالى قال :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ فجعل الغبرة والقترة في مقابلة الضحك والاستبشار، فلو لم يكن المراد بالغبرة والقترة ما ذكرنا من المجاز لما صح جعله مقابلاً، فعلمنا أن المراد من هذه الغبرة والقترة الغم والحزن حتى يصح هذا التقابل، ثم قال القائلون بهذا القول : الحكمة في ذلك أن أهل الموقف إذا رأوا البياض في وجه إنسان عرفوا أنه من أهل الثواب فزادوا في تعظيمه فيحصل له الفرح بذلك من وجهين أحدهما : أن السعيد يفرح بأن يعلم قومه أنه من أهل السعادة، قال تعالى مخبراً عنهم ﴿ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين﴾ [ يس : ٢٦، ٢٧ ]