الثاني : أنهم إذا عرفوا ذلك خصوه بمزيد التعظيم فثبت أن ظهور البياض في وجه المكلف سبب لمزيد سروره في الآخرة وبهذا الطريق يكون ظهور السواد في وجه الكفار سبباً لمزيد غمهم في الآخرة، فهذا وجه الحكمة في الآخرة، وأما في الدنيا فالمكلف حين يكون في الدنيا إذا عرف حصول هذه الحالة في الآخرة صار ذلك مرغباً له في الطاعات وترك المحرمات لكي يكون في الآخرة من قبيل من يبيض وجهه لا من قبيل من يسود وجهه، فهذا تقرير هذين القولين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٤٨ ـ ١٤٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ يعني يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم تكون وجوهُ المؤمنين مبيضّة ووجُوه الكافرين مسْوَدّة.
ويقال : إن ذلك عند قراءة الكتاب، إذا قرأ المؤمن كتابه فرأى في كتابه حسناته استبشر وابيض وجهُه، وإذا قرأ الكافر والمنافق كتابه فرأى فيه سيئاته اسود وجهه.
ويقال : إن ذلك عند الميزان إذا رجحت حسناته ابيض وجهه، وإذا رجحت سيئاته اسود وجهه.
ويقال : ذلك عند قوله تعالى :﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ [ يس : ٥٩ ].
ويقال : إذا كان يوم القيامة يُؤْمر كل فريق بأن يجتمع إلى معبوده، فإذا انتهوا إليه حزِنوا واسودت وجوههم، فيبقى المؤمنون وأهل الكتاب والمنافقون ؛ فيقول الله تعالى للمؤمنين :"من ربكم" ؟ فيقولون : ربنا الله عز وجل.
فيقول لهم :"أتعرفونه إذا رأيتموه".
فيقولون : سبحانها إذا اعترف عرفناه.
فيرونه كما شاء الله.
فيخِرّ المؤمنون سُجَّدا لله تعالى، فتصير وجوههم مثل الثلج بياضاً، ويبقى المنافقون وأهل الكتاب لا يقدرون على السجود فيحزنوا وتسودّ وجوههم ؛ وذلك قوله تعالى :﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ١٦٦ ـ ١٦٧﴾