ثم ذكر المفعول فقال :﴿من أمن﴾ حال كونكم ﴿تبغونها﴾ أي السبيل ﴿عوجاً﴾ أي بليكم ألسنتكم وافترائكم على الله، ولم يفعل سبحانه وتعالى إذ أعرض عنهم في هذه الآية ما فعل من قبل إذ أقبل عليهم بلذيذ خطابه تعالى جده وتعاظم مجده إذ قال :﴿يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم﴾ [ آل عمران : ٦٥ ] ﴿يا أهل الكتاب لم تكفرون﴾ [ آل عمران : ٧٠ ] والآية التي بعدها بغير واسطة.
ولما ذكر صدهم وإرادتهم العوج الذي لا يرضاه ذو عقل قال موبخاً :﴿وأنتم شهداء﴾ أي باستقامتها بشهادتكم باستقامة دين إبراهيم مع قيام أدلة السمع والعقل أنها دينه وأن النبي والمؤمنين أولى الناس به لانقيادهم للأدلة.
ولما كان الشهيد قد يغفل، وكانوا يخفون مكرهم في صدهم، هددهم بإحاطة علمه فقال :﴿وما الله﴾ أي الذي تقدم أنه شهيد عليكم وله صفات الكمال كلها ﴿بغافل﴾ أي أصلاً ﴿عما تعملون﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٢٩ ـ ١٣٠﴾. بتصرف يسير.
وقال ابن عاشور :
قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ﴾
ابتداء كرم رُجع به إلى مجادلة أهل الكتاب وموعظتهم فهو مرتبط بقوله تعالى :﴿قل صدق اللَّه﴾ الآية.
أمر الرّسول عليه الصلاة والسّلام بالصدع بالإنكار على أهل الكتاب.
بعد أن مهّد بين يدي ذلك دلائل صحَّة هذا الدّين ولذلك افتتح بفعل ﴿قل﴾ اهتماماً بالمقول، وافتتح المقولُ بنداء أهل الكتاب تسجيلاً عليهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٦٩﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن في كيفية النظم وجهين
الأول : وهو الأوفق : أنه تعالى لما أورد الدلائل على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام مما ورد في التوراة والإنجيل من البشارة بمقدمه، ثم ذكر عقيب ذلك شبهات القوم.
فالشبهة الأولى : ما يتعلق بإنكار النسخ.


الصفحة التالية
Icon