وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما رغب المؤمنين في التصلب في إيمانهم وترك الالتفات إلى أقوال الكفار وأفعالهم بقوله ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ رغبهم فيه من وجه آخر، وهو أنهم لا قدرة لهم على الاضرار بالمسلمين إلا بالقليل من القول الذي لا عبرة به، ولو أنهم قاتلوا المسلمين صاروا منهزمين مخذولين، وإذا كان كذلك لم يجب الالتفات إلى أقوالهم وأفعالهم، وكل ذلك تقرير لما تقدم من قوله ﴿إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ [ آل عمران : ١٠٠ ] فهذا وجه النظم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٥٨ ـ ١٥٩﴾
فائدة
قال الفخر :
قوله ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً﴾ معناه : أنه ليس على المسلمين من كفار أهل الكتاب ضرر وإنما منتهى أمرهم أن يؤذوكم باللسان، إما بالطعن في محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وإما بإظهار كلمة الكفر، كقولهم ﴿عُزَيْرٌ ابن الله﴾ [ التوبة : ٣٠ ] و﴿المسيح ابن الله﴾ [ التوبة : ٣٠ ] و﴿الله ثالث ثلاثة﴾ [ المائدة : ٧٣ ] وإما بتحريف نصوص التوراة والإنجيل، وإما بإلقاء الشبه في الأسماع، وإما بتخويف الضعفة من المسلمين، ومن الناس من قال : إن قوله ﴿إِلاَّ أَذىً﴾ استثناء منقطع وهو بعيد، لأن كل الوجوه المذكورة يوجب وقوع الغم في قلوب المسلمين والغم ضرر، فالتقدير لا يضروكم إلا الضرر الذي هو الأذى، فهو استثناء صحيح، والمعنى لن يضروكم إلا ضرراً يسيراً، والأذى وقع موقع الضرر، والأذى مصدر أذيت الشيء أذى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٥٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ يعني كذبهم وتحريفهم وبُهْتَهم ؛ لا أنَّه تكون لهم الغَلَبَة ؛ عن الحسن وقتادة.
فالاستثناء متَّصِل، والمعنى لن يضروكم إلاَّ ضراً يسيراً ؛ فوقع الأذى موقع المصدر.