إذن فقول الحق :﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ يعني أنهم لن يستطيعوا أن ينالوا منكم أبدا اللّهم إلا الاستهزاء أو الغمز واللمز، أو إشارة بحركة تؤذي شعور المؤمن، أو تمجد الكفر، وتعظمه أو ينطق كلمة عهر أو فجر لا يوافق عليها الدين، هذا أقصى ما يستطيعه أهل الفسق، وهم لا يملكون الضرر لأهل الإيمان. وبعد ذلك نرى أن واقع الأمر قد سار على هذا المنوال مع الدعوة المحمدية ومع جنود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد أطلقها الله كلمة :﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ فصارت الكلمة قانونا. فقد وقعت الوقائع بين جند رسول الله وأهل الفسق، وثبت أن أهل الفسق لم يستطيعوا ضرر أهل الإيمان إلا أذى.
ولننظر إلى ما حدث لبني قينقاع، ولما حدث لبني قريظة، ولما حدث لبني النضير، ولما حدث ليهود خيبر، هل ضروا المؤمنين إلا أذى ؟ لقد قالوا لرسول الله ﷺ : لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوما أغرارا لا علم لهم بالحرب فانتصرت عليهم، فإذا أنت حاربتنا فستعرف مَن الرجال. وكان ذلك مجرد كلام باللسان.
إن التاريخ يحمل لنا ما حدث لهم جميعا، لقد هزمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد هذا أرادوا أن يرتفعوا عن الأذى إلى الضرر الحقيقي فلم يمكنهم الله ؛ لأن الحق يقول :﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾، فإن أراد أهل الفسق أن يُصَعِّدوا الأذى للمؤمنين ليوقعوا ضررا حقيقيا، فإن الكافرين يولون الأدبار أمام المؤمنين، فهزيمتهم أمر لا مناص منه.
ونحن نعرف في اللغة أن هناك ما نسميه " الشرط " وما نسميه " الجواب " فـ " إنْ " حرف شرط تجزم فعل الشرط وجوابه فإنْ كان الفعل من الأفعال الخمسة فإنّنا نحذف النون، لذلك نجد القول الحق :﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon