إن ﴿ يُقَاتِلُوكُمْ ﴾ فعل شرط محذوفه منه النون. و ﴿ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ﴾ أصلها يولونكم الأدبار. وهي جواب شرط حذفت منه النون، وعندما يأتي العطف بعد ذلك، فهل يكون بالرفع أو الجزم ؟ إن العادة أن يكون العطف بالجزم!! لكن الحق يعطف بالرفع فيأتي قوله :﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾. إنها كسرة إِعْرَابِيّة تجعل الذهن العربي يلتفت إلى أن هناك أمرا جللا، لأن المتكلم هو الله سبحانه. كيف جاءت " النون " ؟
هنا نقف وقفة فَلننطق الآية ككلام البشر : إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصروا. وهذا القول يكون تأريخا لمعركة واحدة، لكن ما الذي سوف يحدث من بعد ذلك ؟ ماذا يحدث عندما يقاتل المؤمنون أهل الكفر والفسق ؟ وتكون الإجابة هي :﴿ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ إن هذا القول الحكيم يحمل قضية بعيدة عن الشرط والجزاء، إنها حكم من الله على أهل الفسق بأنهم لا يُنصرون أبدا سواء أقاتلوا أن لم يقاتلوا إنها قضية ثابتة منفصلة، وليست معطوفة على الشرط، فعلة عدم النصر، ليست القتال، ولكنها الكفر.
وإذا دققنا الفهم في العبارة حروفا - بعد أن دققنا فيها الفهم جملا - لوجدنا معنى جديدا، فقد يظن إنسان أن القول كان يفترض أن يتأتى على نحو مغاير، هو " يولوكم الأدبار فلا ينصرون " لأن الذي يأتي بعد الـ " فاء " يعطي أنهم لا ينتصرون عليكم في بداية عهدكم، وهذا ما تفيده الفاء لأنها للترتيب والتعقيب. لكن الحق أورد حرف " ثم " وهو يفيد التراخي، وهذا يعني أنهم لا ينتصرون عليكم أيها المؤمنون حتى لو استعدوا بعد فترة لمعركة يَرُدُّن بها على توليهم الأدبار. إنه حكم تأبيدي، لأن " ثم " تأتي للتعقيب مع التراخي، والفاء تأتي للتعقيب المباشر بدون تراخ. لذلك فعندما نقرأ القرآن نجد وضع الفاء كالآتي :
﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾
[عبس : ٢١]
لأن دخول القبر يكون بعد الموت مباشرة، وبعدها يقول الحق :


الصفحة التالية
Icon