وربما يقال : معنى الآية إما أن يكون أنه لا يريد أن يظلمهم، أو أنه لا يريد أن يظلم بعضهم بعضاً. والأول لا يستقيم على على مذهبكم لأن من مذهبكم أنه تعالى لو عذب البريء من الذنب أشد العذاب لم يكن ظالماً بل كان عادلاً لأن الظلم تصرف في ملك الغير وهو تعالى إنما يتصرف في ملك نفسه، فتصور الظلم منه محال عندكم، فلا يلزم منه مدح. والثاني أيضاً محال على قولكم لأن كلاً بإرادة الله وتبكوينه عندكم، فثبت أنه لا يمكن حمل الآية على وجه صحيح في مذهبكم. أجاب أهل السنة من وجهين : الأول أنه يتوقف المتدح بنفي صفة على إمكان تصور ذلك الشيء منه بدليل قوله :﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] ﴿ وهو يطعم ولا يطعم ﴾ [ الأنعام : ١٤ ] ولا يتوقف التمدح بذلك على صحة النوم والأكل عليه. الثاني أنه تعالى إن عذب من ليس بمستحق للظلم لم يكن ظالماً لكنه في صورة الظلم. وقد يطلق اسم أحد المتشابهين على الآخر كقوله :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] والحق في هذا المقام أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه. وإذا كان اللطف والقهر من ضرورات صفات الكمال، فوضع كل منهما في مظهره يكون وضع الشيء في موضعه فلا يكون ظلماً. واحتجت الأشاعرة بقوله :﴿ ولله ما في السموات وما في الأرض ﴾ على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لأنها من جملة ما في السموات وما في الأرض. أجابت المعتزلة بأن قوله :﴿ لله ﴾ إضافة ملك لا إضافة فعل كما يقال : هذا البناء لفلان. يراد أنه مملوكه لا أنه مفعوله. وأيضاً الآية مسوقة في معرض المدح ولا مدح في نسبة الفواحش والقبائح إلى نفسه. وأيضاً قوله :﴿ ما في السموات وما في الأرض ﴾ يتناول ما كان مظروفاً لهما وذلك من صفات الأجسام لا من صفات الأفعال التي هي أعراض، والداعية المنتهية إلى تخليق الله دفعاً للتسلسل أو لترجيح من غير مرجح، قالت الحكماء : تقديم السموات في الذكر على الأرض دليل على


الصفحة التالية
Icon