فصل


قال الفخر :
اعلم أن في قوله ﴿لَيْسُواْ سَوَاء﴾ قولين أحدهما : أن قوله ﴿لَيْسُواْ سَوَاء﴾ كلام تام، وقوله ﴿مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ كلام مستأنف لبيان قوله ﴿لَيْسُواْ سَوَاء﴾ كما وقع قوله ﴿تَأْمُرُونَ بالمعروف﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] بياناً لقوله ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] والمعنى أن أهل الكتاب الذين سبق ذكرهم ليسوا سواء، وهو تقرير لما تقدم من قوله ﴿مّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون﴾، ثم ابتدأ فقال :﴿مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ وعلى هذا القول احتمالان أحدهما : أنه لما قال :﴿مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ كان تمام الكلام أن يقال : ومنهم أمة مذمومة، إلا أنه أضمر ذكر الأمة المذمومة على مذهب العرب من أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الضد الآخر وتحقيقه أن الضدين يعلمان معاً، فذكر أحدهما يستقل بإفادة العلم بهما، فلا جرم يحسن إهمال الضد الآخر.
قال أبو ذؤيب :
دعاني إليها القلب إني لامرؤ.. مطيع فلا أدري أرشد طلابها
أراد ( أم غي ) فاكتفى بذكر الرشد عن ذكر الغي، وهذا قول الفراء وابن الأنباري، وقال الزجاج : لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة، لأن ذكر الأمة المذمومة قد جرى فيما قبل هذه الآيات فلا حاجة إلى إضمارها مرة أخرى، لأنا قد ذكرنا أنه لما كان العلم بالضدين معاً كان ذكر أحدهما مغنياً عن ذكر الآخر، وهذا كما يقال زيد وعبد الله لا يستويان زيد عاقل ديّن زكي، فيغني هذا عن أن يقال : وعبد الله ليس كذلك، فكذا ههنا لما تقدم قوله ﴿لَيْسُواْ سَوَاء﴾ أغنى ذلك عن الإضمار.


الصفحة التالية
Icon