وإطلاق أهل الكتاب عليهم مجاز باعتبار ما كان كقوله تعالى :﴿ وآتوا اليتامى أموالهم ﴾ [ النساء : ٢ ] لأنهم صاروا من المسلمين.
وعدل عن أن يقال : منهم أمَّة قائمة إلى قوله من أهل الكتاب : ليكون ذا الثناء شاملاً لصالحي اليهود، وصالحي النَّصارى، فلا يختصّ بصالحي اليهود، فإن صالحي اليهود قبل بعثة عيسى كانوا متمسّكين بدينهم، مستقيمين عليه، ومنهم الَّذين آمنوا بعيسى واتّبعوه، وكذلك صالحو النَّصارى قبل بعثة محمّد ﷺ كانوا مستقيمين على شريعة عيسى وكثير منهم أهل تهجَّد في الأديرة والصّوامع وقد صاروا مسلمين بعد البعثة المحمدية.
والأمَّة : الطائفة والجماعة.
ومعنى قائمة أنه تمثيل للعمل بدينها على الوجه الحقّ، كما يقال : سوق قائمة وشريعة قائمة.
والآناء أصله أأنْاء بهمزتين بوزن أفعال، وهو جمع إنى بكسر الهمزة وفتح النُّون مقصوراً ويقال أنى بفتح الهمزة قال تعالى :﴿ غير ناظرين إنَاه ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] أي منتظرين وقته. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٩٥﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى مدح الأمة المذكورة في هذه الآية بصفات ثمانية.
الصفة الأولى : أنها قائمة وفيها أقوال
الأول : أنها قائمة في الصلاة يتلون آيات الله آناء الليل فعبّر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل وهو كقوله ﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وقياما﴾ [ الفرقان : ٦٤ ] وقوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَىِ الليل﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وقوله ﴿قُمِ الليل﴾ [ المزمل : ٢ ] وقوله ﴿وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ] والذي يدل على أن المراد من هذا القيام في الصلاة قوله ﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ والظاهر أن السجدة لا تكون إلا في الصلاة.


الصفحة التالية
Icon